الأدب العربيالنقد الأدبي

الأخطل والنقد الأدبي في العصر الأموي

الأخطل والنقد الأدبي في العصر الأموي يفتحان أمام القارئ باباً لفهم العلاقة المعقّدة بين الشاعر والسلطة والقبيلة في واحدة من أكثر الحقب العربية توتراً سياسياً وفنياً. يتابع الدارس في سيرة الأخطل كيف تحوّل شعره إلى أداة للتأثير في الرأي العام، وإلى وثيقة تكشف عن معايير مبكرة للحكم على جودة القصيدة ووظيفتها في المديح والهجاء والصراع القبلي. وتظهر من خلال حضوره في البلاط ومنافساته مع جرير والفرزدق ملامح حس نقدي تشكّل عبر التوتر بين الفن والمصلحة السياسية. وفي هذا المقال سنستعرض كيف أسهمت تجربة الأخطل في بلورة الممارسة النقدية في العصر الأموي، وفي انتقال معاييره الفنية والفكرية إلى العصور اللاحقة.

الأخطل والنقد الأدبي في العصر الأموي من بدايات التأثير لملامح التكوين

مثّل العصر الأموي مرحلة تأسيسية في تطور النقد الأدبي العربي، حيث بدأت الملامح الأولية للتمييز بين جودة الشعر ورداءته بالظهور في المحافل الأدبية. وقد ساعدت الظروف السياسية والاجتماعية المتداخلة في خلق بيئة مشحونة بالتنافس الأدبي، ما أتاح المجال لبروز أسماء شعرية مؤثرة كان للأخطل بينها مكانة خاصة. تميز الأخطل بقدرته على المزج بين الانتماء السياسي والإبداع الشعري، الأمر الذي جعله موضع دراسة نقدية مستفيضة منذ بداياته. استغل الأخطل هذا التفاعل بين السلطة والشعر لتوسيع أثره، مما دفع النقاد آنذاك إلى التعامل مع نصوصه بمنظور يتجاوز البنية الفنية إلى البعد السياسي والاجتماعي الذي يحيط بها.

 

الأخطل والنقد الأدبي في العصر الأموي من بدايات التأثير لملامح التكوين

ساهم الأخطل في تكوين ملامح أولى للنقد الأدبي من خلال استخدامه المكثف للهجاء والمديح كأدوات للتأثير، وهو ما جذب انتباه الأدباء والمفكرين إلى وظيفة الشعر ودوره في رسم صورة اجتماعية أو سياسية. لم يكن الشعر بالنسبة للأخطل تعبيراً فنياً خالصاً، بل وسيلة لفهم الواقع والتأثير فيه، فارتبطت تجربته الشعرية بالنقاشات التي ظهرت حول جودة الأسلوب، وحضور الصورة، ودقة المفردة. ومن خلال انخراطه في معارك شعرية مع أسماء كبيرة في زمانه، كوّن الأخطل معايير غير مباشرة للنقد، أوجدت حواراً نقدياً حول القيمة الفنية والأخلاقية للشعر، ما مكّن تجربة «الأخطل والنقد الأدبي» من أن تصبح نموذجاً لتحليل التداخل بين الوظيفة الجمالية والوظيفة السياسية للشعر.

أفرزت هذه الممارسة الشعرية النقدية من قبل الأخطل سياقاً جديداً لفهم دور الشاعر في المجتمع الأموي، فبدلاً من أن يكون ناقلاً لتجربة وجدانية خاصة، أصبح عنصراً فاعلاً في المشهد السياسي والنقدي. تأثرت قراءات النقاد لشعر الأخطل بطبيعة مواقفه السياسية، ما أضفى على أشعاره أبعاداً نقدية لم تكن متاحة لشعراء سابقين. ومن خلال حضوره الفاعل في مجلس الخلافة، استطاع الأخطل أن يضع نفسه في قلب الحركة النقدية، فصار شعره يُقرأ لا بوصفه فناً مستقلاً فحسب، بل خطاباً نقدياً يتفاعل مع قضايا زمانه. وهكذا، تشكلت ملامح «الأخطل والنقد الأدبي» ضمن فضاء ثقافي تحكمه العلاقات المعقدة بين الشعر والسلطة والجمهور.

تأثير البيئة السياسية والاجتماعية على شعر الأخطل

انطلقت تجربة الأخطل الشعرية في بيئة اجتماعية مضطربة ومتشابكة، حيث سادت الانقسامات القبلية والنزاعات بين الأطراف السياسية والدينية المختلفة. وقد أثّر هذا المناخ بشكل مباشر في رؤيته الشعرية، إذ تجلت في شعره مظاهر الولاء والانتماء العميق لقبيلته تغلب، كما عكست نصوصه مواقف محددة تجاه خصومه القبليين والسياسيين. ساعدت هذه البيئة المشحونة بالتنافس على توجيه توجهاته الشعرية نحو أغراض الهجاء والمديح بشكل واضح، فأصبح الشعر أداة لصراع سياسي أكثر من كونه وسيلة للتعبير الفني الفردي.

تشير ملامح شعر الأخطل إلى تأثره العميق بالحياة السياسية آنذاك، لا سيما مع تصاعد سلطة الدولة الأموية وتزايد حاجة الخلفاء إلى أصوات شعرية تدافع عنهم وتروج لسياستهم. ساعدت تلك العلاقة التبادلية بين الشاعر والسلطة في ترسيخ مكانة الأخطل في بلاط الأمويين، فكان شعره وسيلة للدعاية السياسية بامتياز. استخدم الأخطل الهجاء بشكل ممنهج ضد خصوم الأمويين، معتمداً على صور شعرية قاسية وقاموس لغوي حاد يعكس التوتر السياسي والاجتماعي القائم. ومن هنا، يمكن فهم أن «الأخطل والنقد الأدبي» لم يتطورا في فراغ، بل نشآ في سياق تتحكم فيه قوى سياسية ومجتمعية فاعلة.

تؤكد طبيعة البيئة الاجتماعية التي عاش فيها الأخطل على أهمية التفاعلات اليومية بين الطبقات المختلفة في المجتمع الأموي، وهو ما أضفى على شعره طابعاً جماهيرياً من جهة، ونقدياً من جهة أخرى. لم يكن الأخطل يكتب فقط للنخبة، بل خاطب قبائل وجماعات بأكملها، ما جعله صوتاً مؤثراً في توجيه الرأي العام القبلي والسياسي. انعكست هذه الخصوصية في استقبال النقاد له، حيث تعاملوا مع شعره بوصفه وثيقة اجتماعية وسياسية، تحمل دلالات تتجاوز المعنى الظاهري. بذلك، أصبح النقد الموجّه له جزءاً من فهم أعمق لدور الشعر في التعبير عن البنية المجتمعية في العصر الأموي، وهو ما يضعنا أمام قراءة أكثر اتساعاً لمفهوم «الأخطل والنقد الأدبي».

دور الانتماء الديني في تشكيل مواقفه النقدية

ولد الأخطل في بيئة نصرانية، واستمر في تمسكه بدينه رغم التحولات الكبرى التي عرفتها الجزيرة العربية بعد انتشار الإسلام. لم يكن هذا الانتماء الديني مجرد خلفية ثقافية، بل شكّل عنصراً فاعلاً في بناء موقفه الشعري والنقدي. أظهر الأخطل وعياً بهويته الدينية في عدد من قصائده، حيث استخدمها لتمييز نفسه عن خصومه، كما منحته هذه الهوية موقعاً خاصاً في المجتمع الأموي الذي سمح بحرية نسبية في التعبير للمسيحيين، خاصة إذا كانوا موالين للسلطة. لعب هذا الانتماء دوراً في تشكيل شخصية نقدية منحازة لمواقفها، ما جعله متميزاً عن الشعراء المسلمين المعاصرين له.

انعكس هذا التوجه الديني في مواقفه النقدية من خلال هجائه الشديد للأنصار وبعض الجماعات الإسلامية التي كانت تناوئ الأمويين، إذ لم يتردد في استعمال تعبيرات تمس انتماءهم الديني والسياسي. لم يكن هجاؤه مبنياً فقط على الخلافات السياسية، بل على فروق دينية استغلها لتعزيز مواقفه وتثبيت مكانته في البلاط. ساعده ذلك على أن يتجاوز كونه مجرد شاعر، ليصبح صوتاً سياسياً ودينياً يعبّر عن فئة من الناس وعن سلطة تبحث عن تثبيت نفوذها، وهنا تبرز العلاقة القوية بين «الأخطل والنقد الأدبي» في صيغتهما الدينية‑السياسية. استطاع الأخطل من خلال هذا الدور أن يوجه النقد لا كحكم جمالي فقط، بل كأداة توجيه اجتماعي وسياسي.

أثّرت هذه الخصوصية الدينية أيضاً في استقبال شعره بين النقاد والجمهور، إذ نظر إليه بعضهم على أنه شاعر بلا حياد، بينما رآه آخرون تجسيداً لحيوية التعدد في الثقافة الأموية. تعدد القراءات لشعره يؤكد أن انتماءه الديني ساهم في خلق تفاعل نقدي يتجاوز الجماليات إلى فحص الخلفيات الأيديولوجية للنص. تعامل النقد مع تجربته من زاوية تجمع بين الانبهار الفني والتحفظ العقائدي، ما أوجد سجالاً نقدياً حول قيمته الأدبية. بهذا، يمكن القول إن تجربة الأخطل تعكس تداخلاً دقيقاً بين الدين والنقد، حيث منح الانتماء الديني لقصائده طابعاً نقدياً متشابكاً مع قضايا العصر، مما يجعل «الأخطل والنقد الأدبي» مجالاً خصباً لفهم التوتر بين الفن والمعتقد.

علاقة البلاط الأموي بصياغة رؤية الأخطل الأدبية

ارتبط الأخطل ارتباطاً وثيقاً بالبلاط الأموي منذ بداياته، وكان هذا الارتباط سبباً مباشراً في تشكيل رؤيته الشعرية وتحديد ملامحها. لم يكن الشاعر يتفاعل مع السلطة من موقع الند، بل من موقع الشريك في صناعة الصورة السياسية، فقد تبنّى خطاب المديح كوسيلة لتثبيت موقعه في قلب المؤسسة الحاكمة. ساهمت هذه العلاقة في توجيه موضوعاته الشعرية نحو تمجيد الخلفاء وتبرير سياساتهم، ما جعل أعماله تحمل أبعاداً أيديولوجية تتجاوز الإبداع الفني المحض. أسهم هذا التماهي مع البلاط في إضفاء طابع رسمي على أشعاره، ما جعلها محط أنظار النقاد الذين رأوا فيها مثالاً على شعر السلطة.

أثرت هذه العلاقة مع البلاط في أسلوبه التعبيري، حيث حرص على تقديم صور شعرية قوية تُرضي الطموحات السياسية للخلفاء، وتعكس مكانة الشاعر كممثل رسمي لأيديولوجيا الدولة. لم يقتصر دور الأخطل على كتابة المدح، بل شارك في معارك شعرية ضد خصوم السلطة، مستخدماً هجاءه القاسي للتقليل من شأنهم. دفعت هذه المواقف النقاد إلى فحص شعره بوصفه خطاباً سياسياً مغلفاً بالشكل الشعري، ما أوجد مفارقة بين جماليات النص وغايته السياسية. ومن هنا، أصبحت علاقة الأخطل بالبلاط محوراً مركزياً في فهم «الأخطل والنقد الأدبي»، خاصة حينما يُطرح سؤال استقلالية الشاعر.

عمّق هذا الارتباط بالبلاط من تجربة الأخطل بوصفه شاعراً يمارس دوراً مزدوجاً: فنيّاً وسياسياً. لم يعد الشاعر مجرد كاتب قصيدة، بل أصبح صانع خطاب وموجّه رأي عام. ولّد هذا الدور المتداخل تفاعلاً نقدياً واسعاً، إذ لم يُدرس شعره بمعزل عن سياقه السياسي، بل كُشف عن خيوط الترابط بين سلطته الشعرية وموقعه في البلاط. هذا ما منح النقد الأدبي المهتم بشعر الأخطل زوايا تحليل جديدة لا تقتصر على الشكل والمضمون، بل تمتد إلى دراسة السلطة كعنصر فاعل في بنية النص الشعري. بذلك، تكشف العلاقة بين البلاط الأموي والأخطل عن أن «الأخطل والنقد الأدبي» ليسا مجالين منفصلين، بل وجهان لتجربة شعرية نقدية تتداخل فيها الأبعاد الثقافية والسياسية.

 

كيف أسهم الأخطل في تطوير النقد الأدبي الأموي؟

ساهم الأخطل في دفع النقد الأدبي الأموي إلى الأمام من خلال تمثيله مرحلة انتقالية بين التقليد والابتكار، فقد تمكّن من ربط العناصر الجمالية في الشعر الجاهلي بالمتطلبات الجديدة التي فرضتها الدولة الأموية وظروفها السياسية والاجتماعية. ساعد في ذلك امتلاكه قدرة تعبيرية قوية مكّنته من إيصال رسائل سياسية بلغة شعرية عالية، ما دفع المتلقين والنقّاد إلى تأمل تلك النصوص وتحليلها من زوايا مختلفة، وهو ما شكّل بذوراً لنشوء الوعي النقدي في زمن لم يعرف بعد النقد المنهجي المدون. ومن خلال حضوره المؤثر في بلاط الخلفاء، أوجد بيئة كانت تسعى لفهم الشعر كوسيلة للتوجيه والسلطة، لا مجرد فن قائم على الزخرف اللفظي.

ساهمت التفاعلات بين الأخطل وباقي الشعراء، خصوصاً ضمن مجال الهجاء والمديح، في تكوين نظرة نقدية تستند إلى المقارنة والتقويم، حيث ظهرت الحاجة إلى تحديد معايير تميز الشعر الجيد من الرديء. أفضى هذا إلى بروز تحليلات فطرية لدى جمهور المتلقين تعنى بالقيمة الفنية للنصوص، وبالتالي حفّز الأخطل هذا النوع من النقد غير الرسمي من خلال تقديمه نصوصاً ذات أبعاد فكرية وسياسية، مع حفاظه على الخصائص الفنية في الشعر العربي من حيث الوزن والصور والموسيقى الداخلية. نتيجة لذلك، أصبح الشعر مجالاً للتمييز الاجتماعي والسياسي، وأصبح تقييمه مدخلاً لفهم شخصية الشاعر وقيمته داخل المجتمع الأموي.

عزز الأخطل فكرة أن الشعر رسالة موجهة، وأنه قادر على التأثير في الرأي العام، وهذا ما جعل النقاد والشعراء على حد سواء يدركون أن الكتابة ليست عملية فردية معزولة، بل ترتبط بمكان وزمان وسياق اجتماعي وسياسي. بهذا أسهم في إعادة تعريف وظيفة الشعر، وربطه بالواقع السياسي والثقافي، مما ولّد بيئة خصبة لتطوّر الوعي النقدي. وبمرور الوقت، أصبحت هذه الرؤية مؤثرة في بناء نمط تفكير نقدي يقوم على الغرض، والوظيفة، ودرجة التأثير، مما يرسخ العلاقة بين الأخطل والنقد الأدبي بوصفها علاقة تأسيس وتوجيه.

تحليل دور الأخطل في توجيه الذائقة الشعرية لدى النقاد

أسهم الأخطل في تشكيل الذائقة الشعرية لدى النقاد عبر تقديمه نموذجاً فنياً يجمع بين الإتقان اللغوي والقدرة على إثارة التفاعل، فكان شعره موضع مقارنة ومثار جدل في الأوساط الأدبية. امتلك حضوراً شعرياً مكّنه من فرض أسلوبه بوصفه معياراً للجودة، ما دفع النقاد إلى تبنّي معايير تعتمد على دقة التعبير وقوة الصور وملاءمة المضمون للمقام. نتيجة لذلك، بدأت الذائقة الشعرية تتشكل وفق توجه يوازن بين الجمال الفني وصدق التعبير، وهو ما عبّرت عنه قصائد الأخطل التي مزجت بين البلاغة والوظيفة.

أدى انخراط الأخطل في السجالات الشعرية والسياسية إلى توسيع نطاق الذائقة النقدية لتشمل البُعد الأخلاقي والاجتماعي في الحكم على الشعر، فظهرت ملامح تفضيل واضحة لنمط شعري يجمع التأثير والموقف. تجلى ذلك في تقدير النقاد لما يحمله شعر الأخطل من طابع جدلي، إذ ساهم هذا التوجّه في تشكيل معايير غير مكتوبة للقبول أو الرفض، وأصبح النقاد يقيسون الشعر بمقدار تعبيره عن الهوية والانتماء والقيم. بهذا لعب الأخطل دوراً أساسياً في صياغة الذوق الأدبي الذي لم يعد ينحصر في الموسيقى أو الأسلوب، بل أصبح متعلقاً بالدلالة والسياق.

ساعدت التجربة الشعرية المتفردة للأخطل في تحديد ما يمكن أن نطلق عليه الملامح الأولى للذائقة النقدية في العصر الأموي، خاصة أن النقاد وجدوا في شعره نماذج يمكن تحليلها وتفسيرها والقياس عليها. لذلك بدأ الشعراء يسعون إلى محاكاة نمطه، بينما حاول النقاد استنباط أسباب نجاحه وتأثيره، ما رسّخ مكانته كمرجع فني وبلاغي. هكذا أسهم الأخطل والنقد الأدبي في تأسيس علاقة تأثير متبادل، أفضت إلى نشوء حس نقدي جديد قائم على التفاعل بين النص والواقع، بين الجمال والدلالة.

تأثير المنافسات الشعرية على بناء منهجه النقدي

أثّرت المنافسات الشعرية التي خاضها الأخطل، خصوصاً مع جرير والفرزدق، في بلورة وعي نقدي داخلي ظهر في أسلوبه الشعري المتطور، فقد دفعه التحدي إلى الانتباه لأدق التفاصيل في بناء القصيدة من حيث اللغة والبنية والحجة. لم تكن هذه المنافسات مجرد صراع على التفوق، بل مثلت مختبراً حقيقياً لقياس فاعلية الصور الشعرية والردود البلاغية، ما أتاح له فرصة لتطوير منهج يقوم على النقد غير المباشر من خلال الرد على الخصم بأسلوب فني عالٍ. بذلك تحولت المواجهات الشعرية إلى مجالٍ لإبراز القدرة على التمييز بين القوي والضعيف في التعبير.

أوجد هذا الصراع المتواصل حاجة ملحة إلى تحليل النصوص، وهو ما أتاح للنقاد آنذاك فرصة لمقارنة الأساليب والأفكار، وتحديد سمات التميز في شعر الأخطل مقارنة بخصومه. أدى هذا إلى ولادة وعي نقدي تدريجي يميل إلى التدقيق في المعاني والتمثيلات، ويهتم بالسياق النفسي والاجتماعي للشاعر، فتكوّن نوع من التذوق النقدي الشعبي الذي يعتمد على المقارنة والتفضيل. بهذا المعنى، أثرت المنافسات في تعزيز بنية نقدية أولية ساهم الأخطل في صياغتها بقوة.

نتيجة لهذا التأثير، اكتسب الأخطل أدوات نقدية خاصة به انعكست في طريقته في بناء القصيدة، إذ أصبح يراعي تماسك المضمون وتنوع الأسلوب وشدة التأثير، ما جعله يتجاوز مجرد الرد إلى تأسيس خطاب شعري يعكس تميّزاً فنياً. من خلال هذه المنافسات، ترسخ وعيه بالشعر بوصفه أداة للتقييم والتأثير، وليس فقط للتسلية أو المدح. بذلك ساهم الأخطل والنقد الأدبي في توسيع مجال الشعر ليشمل أبعاداً تحليلية وفنية تؤسس لفهم أعمق للنص الشعري، وتجعل من التفاعل النقدي جزءاً من عملية الإبداع نفسها.

موقع الأخطل بين مدارس الشعراء والنقاد في عصره

احتل الأخطل موقعاً متميزاً بين الشعراء والنقاد في عصره، حيث جسّد نمطاً شعرياً خاصاً به يجمع بين الولاء السياسي والدقة الفنية، مما جعله يحظى بمكانة مرموقة في بلاط بني أمية. استفاد من علاقته الوثيقة بالخلفاء لإبراز موهبته، فكان شعره يحظى بالانتشار والتقدير، مما جعله معياراً مهماً في تقييم الشعر السياسي والمدحي. لم يكن هذا الموقع نتيجة للدعم السياسي فقط، بل جاء نتيجة تميز أسلوبه وفرادته في التعبير، وهو ما دفع النقاد إلى اعتباره نموذجاً يحتذى.

استقطب شعر الأخطل اهتمام النقاد في العراق والشام والحجاز، حيث بدأت تتبلور تصنيفات نقدية تتفاوت بحسب البيئات، لكن المشترك فيها كان الاعتراف بقيمته الفنية. في بيئة الشام، حظي بتقدير رسمي، بينما تعامل النقاد في العراق مع شعره باعتباره مادة تحليلية تقارن بشعر خصومه. أما في الحجاز، فكانت الذائقة أكثر ميلاً إلى الطابع الديني واللغوي، ما جعل الأخطل مادة جدلية، لكنها حافظت على وجودها داخل التصورات النقدية العامة. بذلك وجد نفسه في موقع وسطي يتيح له التأثير في مدارس متعددة دون أن يكون منغلقاً على بيئة واحدة.

ساهم هذا التنوّع في استقبال شعره في جعله جسراً بين الاتجاهات النقدية، وسمح له بأن يلعب دوراً في تطور الوعي الجمالي والنقدي على السواء. من خلال إشراكه في المجالس الأدبية ومكانته في القصائد السياسية والدينية، أصبح جزءاً من الذاكرة النقدية، وشكّل حضوراً يتجاوز مجرد كونه شاعراً إلى كونه مادة حوار وتحليل. بهذا رسّخ موقعه بوصفه محوراً في علاقة الأخطل والنقد الأدبي، وجعل من تجربته مرجعاً لفهم التحوّلات النقدية في بيئة الشعر الأموي.

 

الأسس الفنية التي اعتمد عليها الأخطل في أحكامه النقدية

شكّل السياق السياسي والاجتماعي الذي عاش فيه الأخطل عنصراً أساسياً في تكوين رؤيته النقدية، فظهر تأثير هذا المحيط في الطريقة التي اعتمدها لتقييم الشعراء ونصوصهم. انطلق الأخطل من خلفيته كمدافع عن الدولة الأموية، فقام بمواءمة أحكامه الشعرية مع مصالح السلطة التي تبناها، مما جعله يميل إلى تفضيل الشعر الذي يناصر الدولة ويعزز من مكانتها. على هذا الأساس، لم تكن أحكامه نابعة من معيار فني بحت، بل من رؤية أيديولوجية تجسدت في مديحه للخلفاء وهجائه لأعدائهم، وهو ما يؤكد أن شعره النقدي تداخل مع الخطاب السياسي بشكل واضح.

 

الأسس الفنية التي اعتمد عليها الأخطل في أحكامه النقدية

ثمّة جانب آخر اعتمده الأخطل في تشكيل أحكامه النقدية، وهو الجانب اللغوي والفني المتمثل في فصاحة التعبير وجزالة الألفاظ. أظهر الأخطل قدرة عالية على تطويع اللغة لخدمة أغراضه النقدية، فكان ينتقي المفردات ذات الطابع القوي والمثير ليبرز تفوقه أمام خصومه. انعكست هذه المهارة في اختياراته البلاغية التي جاءت متناغمة مع بنية القصيدة، مما يدل على إدراكه العميق لأهمية البناء اللغوي في الحكم على جودة الشعر. لذلك، اعتبر الشعر الجيد هو ما جمع بين الإيقاع القوي والعبارة المحكمة والمعنى المباشر، دون أن يغفل الجانب العاطفي الذي يُثير المتلقي.

إلى جانب السلطة واللغة، ظهرت النزعة القَبَلية بوصفها عاملاً لا يُمكن تجاهله في أحكام الأخطل النقدية. فكونه ينتمي إلى قبيلة تغلب جعله ينظر إلى الشعر من زاوية الولاء والانتماء، بحيث ارتبط تقييمه للأدباء بمواقفهم من قبيلته وموقعهم في خارطة الولاءات الشعرية. لم يكن هذا التوجه عارضاً، بل مكوّناً أساسياً من مكونات رؤيته الأدبية، إذ كان يرفع من شأن الشعراء المتحالفين مع قبيلته ويُقلل من قيمة من خالفهم. بهذه الطريقة، تتداخل العوامل السياسية والفنية والقبلية في تشكيل ملامح «الأخطل والنقد الأدبي»، مما يكشف عن تصور نقدي يتجاوز النص إلى أبعاده الأوسع.

معايير الجمال الشعري في شعر الأخطل

برزت معايير الجمال الشعري في شعر الأخطل ضمن رؤية متكاملة تجمع بين الشكل والمضمون، وتعكس موقفه من طبيعة الوظيفة الشعرية. لم يكتفِ الأخطل بالانبهار بجمالية اللفظ أو روعة الصور، بل سعى إلى أن يكون الشعر معبّراً عن موقف ومعبّراً عن هوية. لهذا، كان يعتبر أن الشعر الجميل هو ما استطاع أن يُحدث تأثيراً اجتماعياً وسياسياً، وأن يكون صدى لواقع الشاعر ومحيطه. اتسمت قصائده بقوة الإلقاء والتماسك في البنية، مما أضفى على شعره صفة الحضور الجماهيري لا النخبوي، وهو ما جعل الجمال عنده مسألة عملية وليست مجرد تذوق لغوي.

تميّز الأخطل في توظيف البلاغة لتدعيم المعايير الجمالية، فقد عرف كيف يستخدم الصور الشعرية بطريقة تخدم المعنى ولا تشتت الذهن. برزت عنده الاستعارات التي تعكس الغرض الشعري، سواء في المدح أو الهجاء، كما أنه فضّل الوضوح على الغموض، مؤمناً بأن الشعر الذي يُثير القارئ أو المستمع بلغة مباشرة أقوى أثراً من الشعر الذي يغرق في التورية والرمز. لذلك، حرص على وضوح المعاني وتناسب الألفاظ مع المقاصد، وهو ما أعطى شعره طابعاً خاصاً يميزه عن بقية شعراء عصره، وجعل حضوره الجمالي متسقاً مع منظومته الفكرية.

أظهر الأخطل وعياً بأن الجمال في الشعر لا يتحقق إلا إذا انسجم النص مع السياق العام الذي يُقال فيه، فكان يراعي طبيعة الجمهور وواقع الأحداث في انتقاء موضوعاته وصياغة صوره. هذا التفاعل بين النص وسياقه أضفى على شعره طابعاً حياتياً، وجعله يتجاوز الطابع النخبوي للشعر إلى دور اجتماعي وثقافي فاعل. لم ينظر إلى الشعر بوصفه فناً خالصاً، بل بوصفه خطاباً قادراً على التأثير والتوجيه، مما أضفى على معاييره الجمالية بعداً عملياً وحيوياً. ضمن هذا السياق، تتجلى مكانة الأخطل ضمن «الأخطل والنقد الأدبي» كشاعر لم يَفصل بين الجمال والوظيفة، بل رآهما متكاملين.

نظرته إلى اللغة والبيان وتوظيف البلاغة

نظر الأخطل إلى اللغة باعتبارها أكثر من مجرد أداة للتعبير، بل رآها جسداً حياً يحمل المعاني والمواقف، ويُترجم قوة الشاعر وسلطته الرمزية. استخدم الأخطل اللغة بوعي نقدي، فاختار ألفاظه بعناية فائقة، ووازن بين فصاحة الكلمة وقدرتها على الإقناع والتأثير. أظهر إلماماً عميقاً بأساليب البيان والتراكيب النحوية، فكان يوظف الجمل المحكمة والصياغات القوية في سبيل تأكيد أفكاره، سواء في المديح أو الهجاء، مما جعل لغته تتسم بالصرامة والجاذبية في آن واحد. لذلك، أصبحت اللغة عنده وسيلة لإبراز التفوق والهيمنة الشعرية.

أما على مستوى البيان، فقد وظّف الأخطل الأساليب البلاغية بطريقة تُظهر قدرته على تحويل الفكرة إلى صورة محسوسة. استخدم التشبيه والمجاز والمقابلة كأدوات لإيصال المعنى بفعالية، بحيث يشعر المتلقي أن الصورة جزء من الواقع وليست من الخيال المحض. امتازت بلاغته بالتناسب مع المضمون، فلم يكن يبالغ في التصوير لأجل الزينة، بل كان يراعي مقصد القصيدة ويجعل الصورة خادمة للفكرة. لهذا، تبدو بلاغته عملية ومباشرة في معظم الأحوال، معتمدة على المقارنة والتضاد لخلق تأثيرات درامية في ذهن المستمع أو القارئ.

امتدت رؤيته للغة والبيان إلى الوعي بالسياق الذي يُنتج فيه النص، فكان يُدرك أن الكلمة لا تكتسب معناها الكامل إلا من خلال ارتباطها بالظرف الاجتماعي والسياسي. لذلك، حرص على أن تكون لغته منسجمة مع الحالة النفسية للجمهور أو السلطة أو الخصم. انعكس هذا الإدراك في تنوع أساليبه بحسب الموقف، فتراه يستخدم لغة حادة في هجائه، وأخرى رفيعة في مدحه. يتجلى من خلال ذلك أن الأخطل لم يرَ في البلاغة مجرد صنعة فنية، بل اعتبرها جزءاً من «الأخطل والنقد الأدبي»، فهي أداة تواصل وتفوق، لا مجرد ترف لغوي.

أثر الثقافة القَبَلية في تقييمه للشعراء

تجلّى أثر الثقافة القَبَلية في شعر الأخطل بشكل بارز، حيث شكّلت الخلفية القبلية إطاراً تفسيرياً لطبيعة مواقفه وتقييمه للشعراء. اعتبر الأخطل أن الولاء للقبيلة لا يقل أهمية عن الكفاءة الفنية، فكان يصنف الشعراء بناءً على مدى قربهم أو بعدهم من قبيلته تغلب. أدّى هذا الانتماء إلى تحيّز في أحكامه، تجلّى في هجائه اللاذع لمن يخالفون قبيلته، ومدحه المفرط لمن يناصرونها أو يشاركونها المواقف. أظهر بذلك أن الشاعر لا يكتب من فراغ، بل ينتمي إلى جماعة تُملي عليه مواقف تتجاوز حدود الفن.

لم تتوقف آثار القبيلة عند مستوى الانتماء فقط، بل امتدت إلى توجيه مضامين الشعر نفسها، فجعل الأخطل من الصراع القبلي مادة شعرية أساسية. عبّر عن هذا الصراع من خلال معارك شعرية بينه وبين شعراء من قبائل منافسة، فاستخدم الهجاء لتقوية موقفه السياسي والقبلي. انسجمت هذه المواقف مع التصور الأموي الذي كان يفضل الولاء الثابت والانتماء الواضح. على هذا النحو، لم يكن التقييم الذي يقدمه الأخطل للشعراء خالياً من الخلفيات الاجتماعية، بل كان محكوماً بثقافة الصراع القبلي التي كانت سائدة في العصر الأموي.

عكست هذه النظرة القَبَلية تصوراً خاصاً للشاعر المثالي في ذهن الأخطل، فالشاعر الجيد بالنسبة له لا يكتفي بالبراعة اللغوية، بل يجب أن يكون قوياً في الدفاع عن قبيلته وصاحب موقف واضح في النزاعات الاجتماعية والسياسية. لهذا، أصبح معيار التقييم الأدبي عنده مرتبطاً بالقوة الرمزية للشاعر داخل جماعته، لا فقط بإبداعه الفردي. أدى هذا التوجه إلى تلوين أحكامه النقدية بلون الانتماء، وجعل من «الأخطل والنقد الأدبي» إطاراً يعكس تفاعل الأدب مع البنى الاجتماعية والثقافية في العصر الأموي، مما يؤكد أن نقده للشعر لم يكن بمعزل عن السياق الذي عاش فيه.

 

المقارنة النقدية بين الأخطل وشعراء عصره

تميّز العصر الأموي بظهور تيارات شعرية متباينة عكست التحولات السياسية والاجتماعية، وبرز في هذا السياق الأخطل كصوت فني يمثّل الاتجاه الأموي والتغلبي في آنٍ معًا، وقد دخل ساحة المقارنة مع عدد من فحول الشعراء مثل الفرزدق وجرير. انطلق الأخطل من مرجعية لغوية قوية، حيث اتسم شعره بجزالة اللفظ ورصانة البناء الفني، الأمر الذي منحه قدرة على الإقناع والتأثير في البلاط الأموي. وفي مقابل شعراء النقائض الذين انشغلوا بالهجاء والفخر، اتجه الأخطل إلى تمجيد الخلفاء والدفاع عن مشروعهم السياسي، مما منح تجربته نبرة مميزة في سياق المنافسة الشعرية والنقدية.

اتخذ الأخطل من الأسلوب التقليدي الجاهلي منطلقًا، لكنه أضاف إليه مسحة حضارية مستمدة من أجواء البلاط الأموي، فوظف الصور الشعرية بشكل متقن، وحرص على تنسيق ألفاظه وانتقاء معانيه بدقة، وهو ما جعله محل إعجاب من النقاد والمهتمين بالفن الشعري. وعلى الرغم من انخراطه في بعض مشاهد النقائض، فقد ظل محافظًا على توازن فني، فلم يتورط كثيرًا في المبالغة أو الإسفاف، كما حدث أحيانًا لدى بعض شعراء عصره. وقد مكّنه هذا الاتزان من أن يُقيم علاقة نقدية جادّة مع الجمهور ومع النقّاد، فجاء شعره محمّلًا ببعد نقدي واضح في مضمونه وشكله.

برز اسم الأخطل ضمن قائمة الشعراء الذين تفاعل معهم النقد الأدبي في العصر الأموي، فحظي بتقويم دائم في ساحات البلاط وفي المجالس الأدبية. انعكس هذا التفاعل على تقييم مكانته مقارنة بجرير والفرزدق، حيث رآه البعض أقدر من غيره في بناء القصيدة المحكمة، بينما فضل آخرون خصومه عليه في جوانب مثل التلقائية أو الطرافة. وهكذا استمرت المقارنة النقدية حوله بوصفها جزءًا من سؤال التفوق الفني، مما يجعل تحليل شعره خطوة مهمة في فهم تفاعل النقد مع الشعر الأموي، ضمن ما يمكن تسميته بـ”الأخطل والنقد الأدبي”.

مقارنة نقدية بين الأخطل والفرزدق

تميّزت العلاقة الشعرية بين الأخطل والفرزدق بطابع تنافسي غير مباشر، إذ حمل كلٌّ منهما مشروعًا شعريًا خاصًا يعكس خلفيته القبلية وموقفه السياسي. اعتمد الأخطل على إظهار الولاء لبني أمية، فركّز على مديح الخلفاء والرموز السياسية، بينما اتخذ الفرزدق من الفخر بقبيلته بني تميم منطلقًا، فبنى شعره على استعراض الأمجاد القبلية والصفات الشخصية. أظهر الأخطل ميلاً واضحًا للرصانة اللغوية والصور الفنية المحكمة، في حين اتسم شعر الفرزدق بالخشونة والتكرار أحيانًا، مما جعله أكثر قربًا من تقاليد البداوة الصافية.

استند الأخطل في تشكيل خطابه الشعري إلى اختيار مفرداته بعناية، وحرص على بناء الصور التعبيرية بما يخدم الغرض السياسي الذي يتبناه، وهو ما منحه تميزًا في صياغة المدائح والنصوص الرسمية. أما الفرزدق فقد انطلق من رغبة في تأكيد الهوية القبلية والرد على الخصوم، فظهرت في شعره نبرة هجائية لاذعة وفخر مفرط، أضفى على قصائده طابعًا انفعاليًا شديدًا. وعلى الرغم من اتساع خيال الأخطل في بناء معانيه، فإن شعر الفرزدق بدا أكثر تلقائية وأقل تهذيبًا، وهو ما جعله محل جدل نقدي دائم من حيث التفضيل الفني.

شهدت الساحة الأدبية في العصر الأموي سجالًا حول الأفضل بين الأخطل والفرزدق، وتنوّعت آراء النقاد حول أسبقية أحدهما على الآخر. رأى بعضهم أن الأخطل أكثر شاعرية من حيث البناء والسبك، بينما رأى آخرون أن الفرزدق أصدق تعبيرًا عن وجدان القبيلة وصوت العامة. أظهر هذا السجال تفاعلاً نقديًا متقدّمًا ساهم في بلورة نظرة أدبية دقيقة حول الشعراء، كما أنه يعكس كيف وظفت المجالس الأدبية والأوساط الثقافية الشعر في خدمة النقد، وهو ما يمثل جانبًا جوهريًا من علاقة “الأخطل والنقد الأدبي” بالممارسة الثقافية في العصر الأموي.

الفروق الفنية بين الأخطل وجرير

انطوت العلاقة الشعرية بين الأخطل وجرير على أبعاد فنية متعددة، إذ واجه كل منهما الآخر من موقع شعري مختلف، حيث ركّز الأخطل على المديح السياسي والنظم الرفيع، بينما اختص جرير بالهجاء الساخر والردود اللاذعة. استخدم الأخطل لغة متقنة وصورًا فنية عالية الجودة، فاستطاع أن يقدم نماذج شعرية تستجيب للذوق الرسمي والمستوى اللغوي العالي، أما جرير فتميّز بخفة اللفظ وسرعة البديهة، مما جعله أكثر تأثيرًا في النزاعات الشعرية العامة.

اختار الأخطل أن يتعامل مع الشعر من منطلق التهذيب والتنقيح، فلم يكن يميل إلى كثرة الإنتاج، بل كان ينقّح قصائده قبل عرضها، مما جعله أقرب إلى الشاعر المصقول الهادئ. في المقابل، أظهر جرير ميلاً واضحًا إلى التلقائية والارتجال، فكان يردّ بسرعة على الخصوم، ويبني هجاءه على مفردات سهلة التداول، مما أكسبه شعبية واسعة بين الناس. انعكس هذا التباين على تلقي الشعر، حيث وُصف شعر الأخطل بأنه نخبوي ومتأنٍ، بينما ظهر شعر جرير أكثر جماهيرية وحدّة في الطرح.

ساهم اختلاف الغرض الفني بين الأخطل وجرير في تشكيل صورة نقدية مزدوجة، فقد مال النقاد أحيانًا إلى تفضيل جرير على مستوى الهجاء وسرعة الرد، بينما رأوا في الأخطل مثالاً للفن المتقن والتعبير الموزون. أدى هذا الانقسام في الآراء إلى بروز جدلية نقدية تتصل بجوهر التقييم الشعري، فتعددت معايير الحكم بين فنية الشكل وسرعة الأداء، بين تهذيب القصيدة وجرأة الهجاء. ومن خلال هذا الصراع النقدي، يتضح كيف أسهمت المقارنة بين الأخطل وجرير في بلورة ملامح “الأخطل والنقد الأدبي” في ذلك العصر، باعتبارها مرآة لفهم التذوق الأدبي في أبعاده المتباينة.

أثر الخصومات الشعرية في تعزيز الممارسة النقدية

ساهمت الخصومات الشعرية بين شعراء العصر الأموي، وخاصة بين الأخطل وخصومه، في بناء مشهد أدبي نابض بالحيوية النقدية، حيث لم تكن المنازعات اللفظية مجرد صراع بلاغي، بل مثلت بيئة خصبة لتطوّر أدوات النقد وتوسيع أفق التذوق الفني. أظهرت هذه الخصومات كيف أصبح الجمهور طرفًا فاعلًا في الحكم على الشعر، فاستُخدمت أبيات النقائض كوسيلة لتقويم الشعراء والمفاضلة بينهم، مما أفسح المجال لقيام حوار نقدي متواصل حول الجودة الفنية والتمكن اللغوي.

حفّز التنافس بين الأخطل من جهة، وجرير والفرزدق من جهة أخرى، الشعراء على تطوير تقنياتهم التعبيرية، فظهر أثر ذلك في اتساع مفرداتهم وتنوع أساليبهم، كما دفعهم إلى مراجعة إنتاجهم بدقة لضمان التفوق على الخصم. لم يعد الشاعر يُلقي شعره اعتباطًا، بل صار يهتم بالتنقيح وتجويد الصور، مما أدى إلى ارتقاء النصوص وتمايزها بشكل لافت. على هذا الأساس، مثلت الخصومات حافزًا حقيقيًا لتحسين الأداء الشعري، وتعزيز مكانة اللغة والصورة والمعنى، في علاقة مباشرة مع طبيعة التفاعل النقدي.

أنتجت هذه المواجهات الشعرية نوعًا من الثقافة النقدية التي تجاوزت الشعراء لتصل إلى المتلقين والنقاد في آنٍ معًا، حيث بات كل بيت شعري يخضع لتحليل وتفسير ومقارنة. وفّرت هذه البيئة إمكانيات لتطوّر أدوات التذوق، وساعدت في تحديد معايير المفاضلة مثل سلاسة التركيب، وحِدة الفكرة، واتساق الموضوع، وهي المعايير التي أصبحت جزءًا من منظومة “الأخطل والنقد الأدبي”. هكذا ساهمت الخصومات الشعرية في تشكيل وعي نقدي نشط، كانت له آثار بعيدة المدى على الأدب العربي في العصر الأموي.

 

القراءة التحليلية لشعر الأخطل ودورها في بناء النقد الأدبي الأموي

شكّلت القراءة التحليلية لشعر الأخطل محورًا أساسيًا لفهم مسارات النقد الأدبي الأموي، إذ انطلقت من اعتبار شعره وثيقة ثقافية تعبّر عن تحولات سياسية واجتماعية عاشها الشاعر في ظل الدولة الأموية. اعتمد النقاد على هذه القراءة لاستخلاص الوظائف الجمالية والسياسية الكامنة في النص، وربطها بسياقها التاريخي، ما سمح برؤية أوسع لطبيعة الشعر في ذلك العصر. لذلك، لم تُدرس قصائد الأخطل بوصفها مجرد تعبير عن الانفعال أو الذوق، بل باعتبارها وسيلة للانخراط في خطاب القوة والمكانة.

ساهمت هذه القراءة في توسيع مفاهيم النقد الأدبي حين أعادت النظر في الأغراض التقليدية كالمدح والهجاء، وفسّرتها ضمن أطر أيديولوجية تخدم بلاط الحكم أو تهاجم الخصوم السياسيين. كشف هذا التوجّه التحليلي عن أن الشعر لم يكن منفصلًا عن النظام السياسي، بل كان أداة لتعزيز السلطة أو النيل منها، وبالتالي فإن الأخطل قدّم نموذجًا فريدًا للشاعر الذي يدمج الموهبة بالأداء السياسي. هذا الترابط بين الفن والسياسة مكّن النقاد من تتبع أبعاد أعمق في تحليل شعره.

أبرزت القراءة التحليلية أيضًا قدرة الأخطل على تشكيل صور لغوية تعكس وعيًا سرديًا ونقديًا ضمنيًّا، حيث تحوّل النص الشعري إلى خطاب موازٍ لخطاب الدولة. ولأن «الأخطل والنقد الأدبي» يمثلان في هذا السياق وحدة متكاملة، فإن الدراسة النقدية لأشعاره سمحت بإعادة بناء تصورات جديدة عن وظيفة الشعر، وأكّدت أن القراءة الواعية للنص لا تكتفي بالظاهر، بل تغوص في أعماق السياق والموقف. وهكذا أصبحت قراءته التحليلية جزءًا لا يتجزأ من تطور الفكر النقدي في العصر الأموي.

تحليل الصور الشعرية ومصادرها

شكّلت الصور الشعرية في شعر الأخطل نواة جمالية غنية تنبع من صميم التجربة الشعرية الأمويّة، إذ حرص على استلهامها من بيئته البدوية والتقاليد القَبَلية التي شكّلت وجدان عصره. تجلّت هذه الصور في ربطه بين الطبيعة والانتماء، فاستخدم عناصر الصحراء والخيول والليل كأدوات لتعزيز رمزية الفخر والشجاعة. ومن خلال هذا الربط العميق، استطاع تصوير القبيلة والذات الشاعرة داخل مشاهد موحية تتجاوز حدود التعبير المباشر.

بالإضافة إلى ذلك، تميّزت الصور الشعرية عند الأخطل بقدرتها على خلق توازن بين الرمزية والمباشرة، مما منحها طابعًا سرديًا غنيًا بالتأويلات. وظّف الشاعر مشاهد المجالس والخمر ليس فقط لوصف الترف أو المتعة، بل ليعكس موقعه في مجتمع السلطة، ويشير بشكل غير مباشر إلى قربه من صُنّاع القرار. وقد مكّنه هذا التوظيف من بناء صورة شعرية مركبة ترتكز على المعنى والدلالة، وتسعى إلى إثارة انطباع نقدي لدى المتلقي. بهذا الشكل، لم تكن الصور زينة لغوية، بل مرآة تعكس التوجّه الاجتماعي والسياسي.

من ناحية أخرى، منحت دراسة هذه الصور رؤية جديدة لعلاقة الأخطل بالنقد الأدبي، خصوصًا أن تحليلها أظهر تداخلاً واضحًا بين الجانب الفني والبعد الأيديولوجي. شكّلت الصور الشعرية وسيلة لفهم التحولات التي مر بها الشعر الأموي، حيث اتضح أن الشاعر كان على وعي تام بأدواته التعبيرية، واستخدمها لخدمة أغراض تتعدى الذات إلى الجماعة. ضمن هذا السياق، أسهمت دراسة الصور في تعميق فهم العلاقة بين «الأخطل والنقد الأدبي»، من خلال استجلاء الأبعاد الكامنة في تشكيل الصورة ودلالاتها المتعددة.

توظيف الأخطل للمجاز والرمز في سياق النقد

ارتكز شعر الأخطل على توظيف المجاز والرمز كوسيلتين فنيتين لتوسيع الأفق الدلالي للنص، وتحويله إلى مساحة تداخل بين الجمالي والسياسي. شكّل المجاز في شعره أداة لإعادة تشكيل الواقع بطريقة إيحائية، إذ تمكّن من تصوير الممدوح بأوصاف تتجاوز الوضوح السطحي، لتصل إلى مستوى رمزي عميق. استخدم الأخطل هذا الأسلوب لإضفاء قدسية أو مهابة على الشخصيات التي يمدحها، ما منح شعره طابعًا خطابيًا فيه بعد ترويجي للسلطة.

على الجانب الآخر، استثمر الأخطل الرمز في سياقات الهجاء ليحمل نقده أبعادًا مبطنة، فبدلًا من التصريح بالعداوة، اعتمد على صور رمزية تشير إلى الخصم ضمنيًا. هذا التوظيف منح النص مرونة في المعنى، وفتح المجال أمام التأويل النقدي، إذ يتيح للمتلقي إدراك دلالة المشهد الرمزي في ضوء السياق السياسي والقبلي. ومن خلال هذا الاستخدام، حافظ الشاعر على فنية النص مع ضمان إيصال الرسالة المطلوبة، ما يعكس وعيًا نقديًا متقدمًا لطبيعة التلقي.

ساهم هذا التوظيف في إرساء معالم جديدة لعلاقة الشعر بالنقد الأدبي في العصر الأموي، فحين يُقرأ النص ضمن شبكة من المجازات والرموز، تظهر ملامح موقف الشاعر بصورة أكثر تماسكًا. ومن خلال هذه الملامح، تتجلّى بوضوح ملامح «الأخطل والنقد الأدبي» بوصفهما امتدادين لبعضهما البعض، حيث يُستخدم الشعر كوسيلة لطرح قضايا سياسية واجتماعية في قالب بلاغي. من هنا، تبيّن أن المجاز والرمز لم يكونا مجرد حِيل بلاغية، بل عناصر بنائية تُسهم في إنتاج خطاب نقدي له تأثير في المتلقي.

أثر الأسلوب الخطابي في تشكيل ملامح شعره

برز الأسلوب الخطابي في شعر الأخطل كأحد أبرز الأدوات التي ميّزت تجربته الشعرية، إذ شكّل جسرًا بين اللغة الشعرية واللغة السياسية. اعتمد الشاعر على نبرة خطابية واضحة، تتجلى في نداءاته المباشرة وتراكيبه الحماسية، ما أضفى على شعره طابعًا جماهيريًا يخاطب فئات متعددة. لم يكن هذا الأسلوب منفصلًا عن السياق الذي كُتب فيه الشعر، بل جاء استجابة لحاجة البلاط الأموي إلى خطاب أدبي يوظّف الشعر لخدمة السياسة.

أسهمت هذه الخطابية في رسم صورة الشاعر بوصفه ناطقًا باسم السلطة أو القَبيلة، حيث انخرط الأخطل في سجالات شعرية حماسية يتجاوز فيها حدود الشعر الغنائي إلى حدود الشعر الجدلي. أظهر في نصوصه قدرته على استخدام الجمل التقريرية والتوكيدية التي تفرض سلطة النص على المتلقي، ما منح قصائده بعدًا خطابيًا قويًا. هذا الأسلوب لا يعكس فقط طبيعة الشاعر، بل يُظهر مدى ارتباط الشعر الأموي بمساحات التأثير الاجتماعي والسياسي.

في هذا الإطار، يمكن القول إن الأسلوب الخطابي لم يكن عنصرًا شكليًا فحسب، بل جزءًا من بنيته الفكرية التي تسعى لتأكيد موقعه وموقفه. ومن خلال تحليل هذا الأسلوب، يمكن التوصل إلى فهم أعمق لعلاقة «الأخطل والنقد الأدبي» في العصر الأموي، حيث يتجلى الشعر بوصفه صوتًا معبرًا عن التحولات، وليس مجرد تعبير عن الذات. هكذا تتكامل العناصر الأسلوبية والوظيفية في شعر الأخطل لتشكّل خطابًا متكاملاً يستحق الوقوف عنده في سياق البحث النقدي.

 

موقف النقاد الأمويين من شعر الأخطل بين الاحتفاء والاعتراض

شكّل شعر الأخطل محورًا نقديًا مركزيًا في العصر الأموي، إذ تلقّاه النقاد بوجهين متناقضين؛ أحدهما تمثّل في الاحتفاء الرسمي الذي حظي به من البلاط، والآخر في الاعتراضات التي أثيرت حول مواقفه الشعرية ومضامينه. بدأ النقاد القريبون من السلطة بتمجيد الأخطل بوصفه لسان الدولة الأمويّة، فامتدحوا قدرته على تمثيل توجهاتها، وأشادوا ببلاغته في الهجاء والمديح، معتبرين شعره دليلاً على ازدهار الشعر السياسي في تلك المرحلة. في هذا السياق، ارتبط اسم الأخطل والنقد الأدبي ارتباطًا وثيقًا بمسار الدولة الأمويّة، حيث تم توظيفه في المعارك الأدبية والقبلية على حدّ سواء.

 

موقف النقاد الأمويين من شعر الأخطل بين الاحتفاء والاعتراض

في المقابل، لم يتردد بعض النقاد في التشكيك بقيمة شعر الأخطل من منطلقات فنية وأخلاقية. رأى هؤلاء أن انحيازه للسلطة أفقد شعره الكثير من صدقه الداخلي، إذ طغت المصلحة السياسية على جمالية النص، فبدت قصائده موجّهة أكثر منها نابعة من تجربة شعورية حقيقية. بناءً على ذلك، شكّك هؤلاء النقاد في مصداقية الرسالة التي يحملها شعره، معتبرين أن الشاعر الذي يكتب تحت ظلّ السلطة لا يمكنه التعبير عن مواقف حيادية أو نقدية. هذا الاعتراض لم يقتصر على المضمون فحسب، بل امتد ليشمل الشكل أيضًا، حيث رأى بعضهم أن تكرار الأساليب الشعرية عند الأخطل جعله أقل إبداعًا مقارنة بغيره من شعراء عصره.

مع مرور الوقت، تبلور موقف نقدي وسط بين الطرفين، حاول أن يُنصف الأخطل دون أن يتجاهل سياقه السياسي. اعتبر هذا الاتجاه أن قوة شعر الأخطل تكمن في بلاغته وتراكيبه، لكنه لا يخلو من التوظيف السلطوي الذي يضعه في خانة الشعر الوظيفي لا الشعر الخالص. وهكذا، حافظ النقد الأموي على مسافة متأرجحة بين التقدير الفني والتحفّظ الأخلاقي، مما جعل دراسة الأخطل والنقد الأدبي في العصر الأموي ميدانًا غنيًا بالتحليل والتأويل المستمرين، خصوصًا في ظلّ تداخل الشعر بالسياسة والدين والقبيلة في تلك المرحلة.

آراء النقاد المحافظين حول شعر الأخطل

نظر النقاد المحافظون إلى شعر الأخطل بعين فاحصة تميل إلى التشكيك في مدى استقلاله عن السلطة، فرأوا فيه صوتًا يعبّر عن الحكم أكثر مما يعبّر عن الذات الشعرية. اعتبر هؤلاء أن الشعر ينبغي أن يبقى نابعًا من وجدان الشاعر لا من توجيهات السلطة، وهو ما جعلهم يتخذون موقفًا متحفّظًا من قصائد الأخطل التي مدحت الخلفاء الأمويين ومدّت جسورًا بين الشعر والسياسة. هذه النظرة دفعتهم إلى التقليل من قيمة شعره في موازين النقد الأخلاقي، رغم اعترافهم بجمال الصياغة وبلاغة التركيب.

بالإضافة إلى ذلك، اعتبر النقاد المحافظون أن الأخطل قد تجاوز الحدود المسموح بها من خلال هجائه العنيف لمعارضي الدولة، ما جعله أقرب إلى منبر سياسي منه إلى شاعر قومي يعبر عن ضمير الأمة. شعره، في رأيهم، لم يحمل رسالة إنسانية أو قيمية بقدر ما ركّز على تعزيز مكانة الحاكم والنظام. هذا التوجّه دفعهم إلى رفض فكرة اعتباره ممثلاً للشعر العربي في تلك المرحلة، وفضّلوا عليه شعراء آخرين تمسّكوا بالقيم التقليدية وعبّروا عن رؤى مستقلة ومنفصلة عن سياسات الدولة.

رغم ذلك، لم يُغفل هؤلاء النقاد الجوانب الفنية المميزة في شعر الأخطل، فقدّروا قدرته على التلاعب بالألفاظ وتوظيف الصور البيانية، لكنهم طالبوا بفصل الجمال الفني عن الانحياز السياسي عند التقييم. بهذا الشكل، اتّسمت آراؤهم بالتوازن، فلم ينكروا قدرته الأدبية، لكنهم لم يمنحوه المكانة الأعلى بين شعراء العصر بسبب ارتباطه المباشر بالحكم. من هنا، يظهر أن الأخطل والنقد الأدبي في تلك المرحلة كانا وجهين لمعادلة معقّدة بين الفن والسلطة، بين التعبير والامتثال.

تأثير الانحيازات السياسية على التقييم النقدي

أثّرت الانحيازات السياسية بشكل مباشر في تقييم النقاد لشعر الأخطل، إذ ارتبط قبول شعره أو رفضه بموقف الشاعر من الحكم الأموي وتوجهاته. من أيد السلطة نظر إلى شعر الأخطل كمرآة تعكس الانسجام بين الشاعر والدولة، واعتبره نموذجًا للشعر الملتزم بخدمة قضايا الأمة كما تراها القيادة السياسية. هذا التيار المدافع برّر مدائحه للأمويين باعتبارها وسيلة للحفاظ على وحدة الدولة وتعزيز مكانة الشعر في المجال العام، لا سيما أن الأخطل كان من أبرز من مثّلوا صوت الدولة أمام معارضيها.

في المقابل، رأى نقاد آخرون أن هذا القرب من السلطة جعل شعر الأخطل أداة سياسية أكثر من كونه تجربة شعرية حقيقية. اعتبروا أن قصائده تحمل نبرة توجيهية مقصودة هدفها دعم الحكم، وأنها تفتقر في كثير من الأحيان إلى النبرة الذاتية التي تميز الشعر الصادق. كما أشاروا إلى أن الانحيازات القبلية والطائفية التي رافقت المشهد الأموي انعكست في شعر الأخطل، مما جعله جزءًا من منظومة الصراع السياسي لا مرآة للواقع الثقافي والاجتماعي فحسب.

امتد هذا التأثير ليشمل النقاد أنفسهم، فصارت مواقفهم من شعر الأخطل تتأثر بمواقعهم الاجتماعية والسياسية، إذ لم يعد التقييم قائمًا على الجمال أو البلاغة فقط، بل على الانتماء والتحالف. هذا التداخل بين الشعر والسياسة جعل من الأخطل والنقد الأدبي في العصر الأموي حالة فريدة تُمثّل كيف يمكن للظرف السياسي أن يُعيد تشكيل معايير النقد، فيُبرز شاعرًا ويُهمّش آخر بناءً على الولاء لا الموهبة فقط، وهو ما انعكس لاحقًا في تصنيفات الأدباء والمؤرخين.

أسباب قبول شعره في البلاط ورفضه عند بعض المعارضين

جاء قبول شعر الأخطل في البلاط الأموي نتيجة لعوامل متشابكة بين الإبداع البلاغي والانسجام السياسي، إذ رأى الخلفاء فيه صوتًا قويًا قادرًا على الدفاع عن الدولة وترويج صورتها الإيجابية. امتلك الأخطل من القدرات الأسلوبية ما جعله متميزًا في المدح والهجاء، فاستطاع أن يرضي ذوق الحكام ويحقق أغراضهم الدعائية، خصوصًا في ظل الصراعات السياسية والقبلية التي احتدمت آنذاك. هذا القبول لم يكن مرتبطًا بالشعر فحسب، بل بشخصيته التي تمثّلت الولاء المطلق للسلطة، مما جعله يحظى بمكانة لا ينازعه عليها كثيرون في أروقة الحكم.

في المقابل، لم تجد قصائد الأخطل قبولًا لدى فئة من النقاد الذين رأوا في انحيازه للسلطة خروجًا عن حيادية الشاعر، واعتبروه أداةً في يد النظام لا لسانًا حرا للأمة. شعره، في نظرهم، افتقر إلى البعد الإنساني والتجربة الذاتية، فكان محصورًا في مدح الحاكم وهجاء الخصوم دون أن يقدم رؤى تتجاوز اللحظة السياسية. هؤلاء النقاد لم يروا مانعًا في الإبداع السياسي، لكنهم اشترطوا أن يكون نابعًا من اقتناع لا من مصلحة، وهو ما جعلهم يشككون في نوايا الأخطل الشعرية.

مع تطور النقد، اتسعت الهوّة بين التقييم الرسمي والتقييم الثقافي العام، حيث بدأت تظهر أصوات تنظر إلى شعر الأخطل بوصفه مرآة لعصره أكثر من كونه إبداعًا خالصًا. فقد أدّى انخراطه في الصراعات الفكرية والسياسية إلى جعل اسمه مثارًا للجدل، بين من يحتفي به كرمز للبلاغة السياسية، ومن يرفضه كشاعر فقد استقلاليته. في هذا السياق، أصبح موضوع الأخطل والنقد الأدبي من القضايا الجوهرية التي تكشف عن العلاقة المعقّدة بين الفن والسلطة في العصر الأموي، وتسلّط الضوء على حدود التداخل بين الجمال الشعري والمصلحة السياسية.

 

كيف أثّرت مدرسة الأخطل الشعرية على النقد الأدبي بعد العصر الأموي؟

شكّلت مدرسة الأخطل الشعرية علامة فارقة في مسار النقد الأدبي العربي، خصوصًا في المرحلة التي تلت العصر الأموي. فقد استطاع الأخطل من خلال شعره أن يثير اهتمام النقّاد والمتذوّقين بالشكل والمضمون معًا، مما ساعد على تحوّل التقييم من الانطباع الذاتي إلى تذوق يستند إلى معايير جزئية واضحة. وبفضل لغته الفخمة وتراكيبه المحكمة، استقطب الأخطل حوارات نقدية تباينت فيها المواقف بين مؤيد ومعارض، الأمر الذي أفرز وعياً نقدياً جديداً لم يكن مألوفًا في العصور السابقة.

اعتمد كثير من النقّاد بعد الأخطل على تقييم عناصر التماسك الأسلوبي والتوازن بين اللفظ والمعنى، وهو ما أصبح جزءاً من أدوات النقد في العصر العباسي وما بعده. وقد أسهم التفاعل الشعري الحاد بين الأخطل ومجايليه في إثارة انتباه النقّاد إلى قيمة البناء الفني والنظم البلاغي، مما منح النقد مساحة أوسع من مجرد المفاضلة بين الشعراء إلى تحليل أساليبهم ومقارنتها. ومن هذا المنطلق، بدأ النقد الأدبي يشهد تطورًا في منهجيته، فصار يراعي طبيعة النص أكثر من الانحيازات القبلية أو المذهبية.

برز في ذلك السياق أنّ الأخطل والنقد الأدبي تداخلا في تأسيس شكل من أشكال الذوق الفني الواعي، فمدرسة الأخطل لم تقتصر على الدفاع عن التقاليد الشعرية، بل جددت بعض طرائق الأداء الشعري من حيث الصورة والموسيقى والتخييل. وبذلك مهّد شعره لظهور نقد يقوم على أسس تحليلية تستند إلى فهم أعمق لبنية النص، ما ساعد على نشوء تيارات نقدية أكثر تخصصاً لاحقاً، وأدى إلى ترسيخ أسس نقدية ظلّت فاعلة حتى بعد انقضاء العصر الأموي.

انتقال المعايير النقدية التي أسّسها الأخطل إلى العصور اللاحقة

أسهم الأخطل في تشكيل معايير نقدية اتسمت بالوضوح والتمسك بالمستوى اللغوي الرفيع، وقد شهدت هذه المعايير انتقالًا تدريجيًا إلى العصور التالية دون أن تفقد بريقها أو أهميتها. فقد تعامل النقاد بعد العصر الأموي مع خصائص شعر الأخطل كمرجع لتقييم غيره من الشعراء، فركزوا على دقة اللفظ وانسجام الإيقاع، وأعادوا إحياء التفضيل النقدي الذي يوازن بين العمق المعنوي والجزالة اللفظية. كما عملوا على استخلاص القواعد النقدية الضمنية من شعره وتطبيقها على نتاج الشعراء في القرون اللاحقة.

انتقل هذا التأثير إلى العصر العباسي بشكل خاص، حيث استُثمرت خصائص مدرسة الأخطل في تشكيل ذوق نقدي أكثر نضجًا وصرامة. فبدأ النقّاد يميزون بين الشاعر المتكلف والمبدع، ويُعنون بالتناسب بين الفكرة والعبارة، ويقيّمون الجمالية على أساس التناسق البنيوي والتعبيري. وقد ساعدت هذه المعايير على تحوّل النقد إلى علم له آلياته، واستند كثير من النقاد إلى شعر الأخطل كنموذج للتمييز بين الطبع والصنعة، وبين الفصاحة والابتذال، مما رسّخ أهميته في الذاكرة النقدية.

بمرور الزمن، حافظت هذه المعايير على حضورها في سياقات نقدية متجددة، وتحوّلت إلى دعائم تُبنى عليها الأحكام النقدية حتى في مراحل متأخرة. فكلما حاول النقّاد إرساء ضوابط تقيّم الشعر الجيد، وجدوا في شعر الأخطل مثالًا واضحًا لما يمكن اعتباره مرجعية متكاملة. ومن هنا بقي الربط قائماً بين الأخطل والنقد الأدبي كأحد أبرز رموز التأثير المتواصل الذي تعدّى عصره وظل حاضرًا في تحولات الذوق النقدي العربي.

دور الرواة واللغويين في حفظ رؤيته الفنية

تولى الرواة واللغويون دورًا محوريًا في ضمان انتقال الشعر الأخطلي إلى الأجيال اللاحقة، فقد عملوا على حفظ نصوصه وجمعها بدقة، مما سمح ببقاء رؤيته الفنية حية ومتاحة للنقد والتفسير. ساعد هذا الدور في تكوين صورة دقيقة عن خصائص أسلوبه، وفتح الباب أمام النقّاد لاستخلاص ملامح تميّزه مقارنة بغيره من شعراء عصره. وبفضل هذه الجهود، حافظ شعر الأخطل على أصالته وتماسكه، وصار مرجعًا معتمدًا لتقييم جماليات الشعر العربي الكلاسيكي.

ساهم اللغويون كذلك في تحليل ألفاظه ومفرداته ضمن سياقاتها، ما أتاح لهم بناء دراسات لغوية دقيقة تعتمد على شعره كمادة أساسية. وقد أظهروا اهتمامًا كبيرًا بتفسير بعض الصور الغريبة والتراكيب النادرة في شعره، مما أضاف للنقد العربي أدوات فنية لفهم لغة الشعر وتطويعها في خدمة المعنى. وهكذا أصبح لشعر الأخطل دور تعليمي وتحليلي مكّن النقاد من التوسع في آرائهم ووضع معايير جديدة لتقييم النصوص الشعرية.

من خلال هذه الجهود، تعزز الارتباط بين الأخطل والنقد الأدبي، وأصبح حضوره في كتب الأدب والنقد نتيجة حتمية لحيوية شعره ومتانة لغته. فقد شكّل الرواة واللغويون صلة الوصل التي نقلت شعره من التلقي الشفهي إلى التحليل المكتوب، مما ساعد في ترسيخ رؤيته الفنية كمصدر موثوق، واستمر تأثيره عبر أجيال من الدارسين والباحثين في النقد العربي.

أثره في تشكيل اتجاهات النقد العباسي

شكّل شعر الأخطل أحد المرتكزات التي ساعدت على توجيه النقد العباسي نحو مزيد من التنظير والتحليل، حيث وجد فيه النقّاد مادة ثرية يمكن من خلالها رصد تطور البنية الفنية في الشعر العربي. فقد تعاملوا مع شعره بوصفه نموذجًا تتجلى فيه عناصر الفحولة الشعرية، وقارنوه بغيره من شعراء العصور السابقة في سياق البحث عن معايير دقيقة للحكم الأدبي. وهكذا أصبح شعره منطلقًا للنقاش حول الألفاظ والمعاني، والصور البلاغية، والبناء الشعري المتكامل.

امتد تأثيره ليشمل مساحات أوسع من النقد، إذ عمل النقّاد العباسيون على استخلاص جوانب الصنعة فيه، وتحديد مدى نجاحه في توظيف اللغة والمجاز، وهو ما جعلهم يضعونه في قلب حركة التنظير النقدي. وقد مكّنهم ذلك من إقامة موازين ثابتة تقيس جودة الشعر على أساس عناصر داخلية ترتبط بالنص ذاته، لا بمجرد الانطباع العام. ومن خلال هذه العملية، ساهم الأخطل في تأطير مفهوم الجمال الفني وتوجيهه نحو مقاييس يمكن تعميمها على سائر النتاجات الأدبية.

مع هذا الامتداد، أصبح واضحًا أن الأخطل والنقد الأدبي يشتركان في علاقة تأسيسية دفعت بالنقد العربي إلى التخصص والتطور. فبفضل حضور شعره في النصوص النقدية العباسية، انتقلت مفاهيم الفصاحة، والتراكيب الجزلة، والصور القوية من حيز التذوق إلى حيز الدراسة المنهجية. وقد مهد ذلك الطريق أمام ظهور تيارات نقدية أكثر دقة، جعلت من التجربة الأخطلية أحد مراجعها، ومنحته دورًا محوريًا في بناء الوعي النقدي الذي استمر تأثيره قرونًا طويلة.

 

الأخطل كمؤسساً للممارسة النقدية في التراث العربي

يمثّل الحديث عن «الأخطل والنقد الأدبي» مدخلاً لإعادة النظر في شخصية الأخطل من زاوية تتجاوز كونه مجرد شاعر هجاء ومديح في العصر الأموي. إذ يلفت الانتباه ما قدّمه من مواقف شعرية تتضمّن ملامح نقدية، وإن لم تكن نقدًا منهجيًا كما ظهر لاحقًا في عصور أكثر تنظيماً فكريًا. لذلك، تثير شخصية الأخطل إشكالًا نقديًا حول موقعه في مسار تطور الممارسة النقدية، خصوصًا إذا ما تم النظر إلى الدور الذي لعبه في تشكيل أفق التنافس الشعري وموازنة الشعراء عبر النص الشعري ذاته.

 

هل يمكن اعتبار الأخطل ناقدًا مؤسسًا للممارسة النقدية في التراث العربي؟

تبرز في شعر الأخطل إشارات تدل على وعيه بجودة الشعر وأدواته، حيث تعمّد من خلال هجائه وخصوماته الأدبية أن يحدّد مستويات الإبداع لدى خصومه، مما جعله يمارس شكلاً مبكرًا من أشكال النقد. فبالرغم من أن إنتاجه الشعري كان مرتبطًا بالبيئة السياسية والقبلية، إلا أن طريقة تعامله مع خصومه كانت قائمة على تفكيك نصوصهم، وتسفيه صورهم، ومقارنة لغتهم بلغته، وهو ما يمكن اعتباره شكلاً من أشكال الحكم الأدبي. لذلك، يمكن فهم ممارساته على أنها نواة أولى لما سيتطوّر لاحقًا إلى منظومة نقدية متكاملة.

وعلى الرغم من غياب الكتابات النظرية عند الأخطل، إلا أن أثره النقدي كان واضحًا في الشعر الأموي، لا سيما من خلال حضوره في معارك النقائض التي شكّلت تربة خصبة لتبادل التقييمات الشعرية غير الرسمية. وقد تكون ممارسته النقدية غير ممنهجة، ولكنها ساهمت في تشكيل حس نقدي جمعي لدى المتلقين، خاصة وأنه استطاع تحويل شعره إلى أداة للحكم والتصنيف. وعليه، يمكن اعتبار الأخطل فاعلًا أوليًا في تأسيس الحس النقدي في التراث العربي، دون أن يكون ناقدًا مؤسسًا بالمفهوم الكامل الذي استقر لاحقًا.

قراءة معاصرة لمفهوم “الشاعر الناقد” في شخصية الأخطل

تُظهر القراءة المعاصرة للأخطل أنه لم يكن مجرد شاعرٍ يتقن أدوات البلاغة، بل كان أيضاً يمتلك وعياً نقدياً خفياً يظهر في ثنايا نصوصه. إذ مارس الشعر بوصفه خطابًا مزدوجًا، فيه مديح وهجاء، لكنه أيضًا مليء بإشارات تقييمية تدل على نوع من الحُكم الفني الذي يتجاوز التعبير الذاتي إلى التأثير في الذائقة الشعرية العامة. وبذلك، يمكن التعامل مع الأخطل بوصفه “شاعرًا ناقدًا”، وهو توصيف حديث يعيد صياغة موقعه في الخارطة الأدبية.

كما يتبيّن من خلال تتبع شعر الأخطل أنه لم يستخدم اللغة فقط للإقناع أو السخرية، بل اتخذ منها أداةً لبناء موقف نقدي ضمني تجاه خصومه الشعراء. فقد تعمّد كشف ما اعتبره ضعفاً في إبداعهم، وسعى إلى تسفيه قدرتهم اللغوية، مع إبراز تفوقه عليهم، وهو ما يعكس طبيعة الناقد الذي لا يكتفي بالتقويم، بل يعرض البديل الأقوى. ومن هنا، تكتسب شخصية الأخطل بعدًا نقديًا متداخلاً مع مهمته كشاعر، حيث يتجلى الخطاب النقدي داخل النسيج الفني نفسه.

علاوة على ذلك، تسمح المقاربة المعاصرة بإعادة تأويل كثير من أشعار الأخطل على أنها ليست مجرد ردود هجائية، بل نصوص تشتبك مع قضايا الذوق والبلاغة والتقاليد الشعرية السائدة، وتعيد ترتيب الهرمية الجمالية من منظور ذاتي حاد. وبهذا التصور، يخرج الأخطل من دائرة الشاعر التقليدي إلى فضاء الشاعر الناقد الذي يساهم من موقعه في تشكيل أفق الشعر، ويوجه المتلقي لاستهلاك أدبي وفق معاييره، مما يمنح حضوره في النقد الأدبي طابعًا نوعيًا فريدًا.

حدود التأثير النقدي عند الأخطل وفق الدراسات الحديثة

تسلّط الدراسات الحديثة الضوء على حدود الدور الذي لعبه الأخطل في مجال النقد الأدبي، مع التأكيد على أنه لم يمارس النقد بوصفه نشاطاً مستقلاً، بل انبثق تأثيره من خلال شعره. إذ لم يترك الأخطل خلفه نصوصاً تنظيرية، ولا تلميحات إلى وعي منهجي بالنقد، مما حدّ من إمكانية اعتباره مرجعاً نقدياً كاملاً. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل تأثيره غير المباشر الذي ظهر في شكل تفاعل شعري مع نصوص الآخرين وتقديم أحكام ضمنية حول مكانتهم الشعرية.

وفي ظل غياب المؤلفات النقدية، تمثلت ملامح التأثير النقدي عند الأخطل في الطريقة التي واجه بها خصومه عبر النص، حيث قام بكشف عيوبهم اللغوية، وتحجيم صورهم الشعرية، وإبراز تفوقه من خلال المقارنة الضمنية. لكنه، بالرغم من هذه الممارسات، لم يقدّم رؤية نقدية عامة يمكن البناء عليها لتأسيس قواعد، بل اكتفى بتقديم مواقف شعرية ذات نزعة تقويمية محصورة في سياقها التنافسي. ومن هنا، تبدو حدود تأثيره واضحة، إذ بقيت ممارساته أسيرة اللحظة الشعرية، ولم تتطور إلى مشروع نقدي مستقل.

كما تُظهر الدراسات أن مكانة الأخطل في تاريخ «الأخطل والنقد الأدبي» تبقى إسهامية أكثر من كونها تأسيسية. إذ اكتفى بلعب دور الشاعر ذي النزعة التقييمية دون أن يُخضع هذه النزعة لآليات تحليلية واضحة أو يطرح مفهوماً نقدياً مستقلاً. ونتيجة لذلك، يصعب النظر إليه كصاحب تأثير نقدي بعيد المدى، رغم ما تركه من بصمة في الذاكرة الأدبية التي استفادت من خصوماته في بلورة الذائقة الشعرية الأمويّة.

إشكاليات تقييم دوره مقارنة بغيره من رواد النقد

يندرج تقييم الأخطل ضمن «الأخطل والنقد الأدبي» في سياق إشكالي معقّد، خصوصًا عند مقارنته بنقّاد ظهروا في عصور لاحقة، مثل الجاحظ أو ابن قتيبة، الذين قدّموا تنظيرات متكاملة ومناهج مدروسة. إذ تُواجه محاولة وضعه ضمن قائمة النقّاد المؤسسين بإشكال زمني ومنهجي، نظراً لاختلاف طبيعة العصر الأموي وافتقاره للمدارس النقدية الواضحة التي وُجدت لاحقاً. ولذلك، يبدو من غير المنطقي محاسبته بمعايير لم تكن قائمة في زمنه.

تتضاعف هذه الإشكالية عندما يُنظر إلى الأخطل كمنتِج شعري أكثر منه ناقدًا بالمعنى المتداول لاحقاً. فالأدوات التي استخدمها كانت متداولة في سياق الشاعر الخصومي، لا في فضاء التنظير أو التصنيف الأدبي. ورغم أن ممارساته تضمنت ملامح نقدية، إلا أنها جاءت جزءاً من استراتيجيات التفوق في المعارك الشعرية، وليس من رغبة في تأسيس خطاب نقدي منهجي. ومن ثم، فإن محاولات تقييمه تواجه تحديًا في الفصل بين الغرض الشعري والغرض النقدي.

ومع استمرار الجدل حول موقع الأخطل، يُلاحظ أن بعض المقاربات تُنصفه بوصفه حالة استثنائية ساهمت في خلق حس نقدي ضمني، بينما ترفض أخرى منحه دورًا يفوق طبيعته الشعرية. وفي هذا السياق، تظل إشكالية التقييم قائمة، إذ يتطلّب الأمر مراعاة السياق التاريخي والوظيفي الذي نشأ فيه شعر الأخطل، دون فرض معايير لاحقة عليه. وبهذا، يُفهم دوره كحلقة وصل بين الإنتاج الشعري والنقدي، دون أن يكون بحد ذاته ناقدًا ممن أسسوا للممارسة النقدية بمفهومها العلمي.

 

ما الذي يضيفه شعر الأخطل لقراءة البنية السياسية والثقافية للعصر الأموي؟

يساعد شعر الأخطل في كشف الطريقة التي استُخدم بها الخطاب الأدبي لتثبيت شرعية الدولة الأموية، إذ تُظهر قصائد المديح والهجاء خريطة التحالفات والخصومات بين القوى القبلية والسياسية. كما يتيح تتبّع صوره البلاغية ورموزه فهماً أعمق لتمثّل قيم الشرف والولاء والعداوة في الوعي الجمعي. ومن خلال قراءة تداخل الدين والقبيلة والسلطة في نصوصه، يمكن للباحث المعاصر أن يستعيد المناخ الثقافي الذي صيغت فيه الأحكام النقدية الأولى، وأن يربط بين الوظيفة الجمالية للنص وبين دوره في إدارة الصراع والتأثير في الرأي العام.

 

كيف اختلف حضور الأخطل في النقد الأموي عنه في النقد العباسي اللاحق؟

ظهر الأخطل في النقد الأموي بوصفه شاعر السلطة الأول، فتركّزت الأحكام على قدرته على الدفاع عن الدولة الأموية وتوجيه الهجاء إلى خصومها، مع تذبذب المواقف بين الاحتفاء الرسمي والتحفظ الأخلاقي. أما في النقد العباسي، فقد تراجع ثقل السياق السياسي المباشر لصالح الاهتمام بالبناء الفني واللغة والجزالة، فغدا شعره مادة للمقارنة مع شعراء الجاهلية والإسلام من حيث الفحولة والصنعة. وبذلك انتقل النظر إليه من كونه لسان سياسة زمنه إلى كونه نموذجاً أسلوبياً يُستفاد منه في بناء معايير أكثر تجريداً لجودة القول الشعري وبلاغته.

 

كيف يمكن الإفادة من تجربة الأخطل في تدريس النقد الأدبي المعاصر؟

تتيح تجربة الأخطل للمدرسين تقديم نموذج تطبيقي يربط بين النص وسياقه، فيتدرّب الطالب على قراءة القصيدة بوصفها خطاباً فنياً وسياسياً في آنٍ واحد. ويمكن استخدام خصوماته مع جرير والفرزدق كمختبر يطبّق فيه المتعلم مهارات المقارنة وتحليل الصور واللغة والحجّة، مع ملاحظة كيف تتشكل الأحكام النقدية من داخل النص وخارجه. كما تساعد دراسة تلقي شعره عبر العصور على تعريف الطالب بفكرة تطوّر الذوق النقدي، وكيف يمكن لنص واحد أن يُقرأ قراءات متباينة تبعاً لتحول المرجعيات الفكرية والجمالية، وهو ما يعمّق وعيه بتاريخ النقد وآلياته.

 

وفي ختام مقالنا، يمكن القول أن الأخطل والنقد الأدبي في العصر الأموي يقدّمان نموذجاً مبكراً لتداخل الإبداع الشعري مع الوعي النقدي في سياق سياسي وديني وقَبَلي شديد التعقيد. تكشف قراءة شعر الأخطل وطرائق تلقيه عن تشكّل معايير ضمنية للحكم على جودة القصيدة المُعلن عنها، وعن دور الخصومات والمجالس الأدبية في صقل الذائقة الجماعية وبناء صور الشعراء ومكانتهم. كما يبيّن تتبّع أثره في العصور اللاحقة كيف تحوّلت تجربته إلى مرجع فني وتاريخي يساعد على فهم نشأة النقد العربي ومسارات تطوره الأولى، ويمنح الدارس المعاصر إطاراً خصباً لقراءة العلاقة بين السلطة والشعر والنقد.

(5/5 - 6 من الأصوت... شارك الأن برأيك وشجّع الآخرين على التقييم! ) 🌟

تنويه مهم بشأن حقوق المحتوى

جميع الحقوق محفوظة لموقع نَبْض العرب © 2025. يُمنع نسخ هذا المحتوى أو إعادة نشره أو ترجمته أو اقتباس أكثر من 10% منه إلا بإذنٍ خطّي مسبق. لأي استخدام تجاري أو أكاديمي، يُرجى التواصل عبر: info@nabdalarab.com.

ملاحظة: يُسمح بالاقتباس المحدود مع ذكر المصدر ورابط مباشر للمقال الأصلي.

زر الذهاب إلى الأعلى